فصل: ثم دخلت سنة تسع وتسعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة تسع وتسعين فمن الحوادث فيها‏:‏ وفاة سليمان بن عبد الملك وخلافة عمر بن عبد العزيز

 باب ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ويكنى أبا حفص وأمه أم عاصم بنت عاصم بنعمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

روى عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن جعفر وعمر بن أبي سلمة والسائب بن يزيد‏.‏وأرسل الحديث عن جماعة القدماء وروى عن خلق كثير من التابعين وكان عالمًا دينًا‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن

حيوية قال‏:‏ أخبرنا سليمان بن إسحاق الجلاب قال‏:‏ حدَّثنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏

حدَّثنا محمد بن سعيد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أبي إسحاق قال‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن عياش قال‏:‏

حدَّثني ضمرة قال‏:‏ قال ابن شوذب‏.‏

لما أراد عبد العزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبد العزيز قال لقيمه‏:‏ اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح‏.‏

فتزوج أم عمر بن عبد العزيز‏.‏وما زال عمر يميل إلى الخير والدين مع أنه ولي الإمارة وكانوا يفزعون إليه في أحوالهم‏.‏ولما مرض سليمان كتب العهد لأبنه أيوب ولم يكن بالغًا فرده عن ذلك رجاء بن حيوة فقال له‏:‏ فما ترى في ابني داود فقال له‏:‏ هو بقسطنطينية وأنت لا تدري أحي هو أم ميت قال‏:‏ فمن فقال‏:‏ رأيك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ كيف ترى في عمر فقال‏:‏ أعلمه والله فاضلًا خيرًا مسلمًا فقال‏:‏ لئن وليته ولم أول أحدًا من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه فكتب له وجعل من بعده يزيد وختم الكتاب وأمر أن يجمع أهل بيته وأمر رجاء بن حيوة أن يذهب بكتابه إليهم

وأمرهم أن يبايعوا من فيه ففعلوا ثم دخلوا على سليمان الكتاب بيده فقال‏:‏ هذا عهديفاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا‏.‏

قال رجاء‏:‏ فجائني عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ يا رجاء قد كنت لي بسليمان حرمة وأنا أخشى

أن يكون قد أسند إلي من هذا الأمر شيئًا فإن كان فأعلمني استعفيه فقال رجاء‏:‏ والله لا

أخبرك بحرف فمضى قال‏:‏ وجاءني هشام فقال‏:‏ لي حرمة وعندي شكر فأعلمني فقلت‏:‏ لا

والله لا أخبرك بحرف فانصرف هشام وهو يضرب بيد على يد ويقول‏:‏ فإلى من

فلما مات سليمان جددت البيعة قبل أن يخبر بموته فبايعوا ثم قرأ الكتاب فلما ذكر عمر بن

عبد العزيز نادى هشام‏:‏ والله لا نبايعه فقال له رجاء‏:‏ إذن والله اضرب عنقك قم فبايع فقام

يجر رجليه ويسترجع إذ خرج عنه الأمر وعمر يسترجع إذ وقع فيه‏.‏

ثم جيء بمراكب الخلافة فقال عمر‏:‏ قربوا لي بغلتي ثم أنشد يقول‏:‏ولولا التقي ثم النهى خشية الردى ** لعاصيت في حب الهوى كل زاجر

قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ** له صبوة أخرى الليالي الغوابرثم قال‏:‏ إن شاء الله ثم خطب فقال‏:‏ يا أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي

كان مني فيه ولا مشورة‏.‏

وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم فصاح

الناس صيحة واحدة‏:‏ قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فلي أمرنا باليمن والبركة‏.‏

فقال‏:‏ أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف فاعملوا

لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه وأصلحوا سرائركم يصلح الكريم علانيتكم

وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد له قبل أن ينزل بكم وإن امرًا لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حيًا لمعرق له في الموت‏.‏

ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعهاوإدخال ثمنها في بيت المال ورد المظالم‏.‏

أخبرنا علي بن أبي عمر قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسن الباقلاوي قال‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن

بشران قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الآجري قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله بن مخلد قال‏:‏ حدَّثني سهل بنعيسى المروزي قال‏:‏ حدَّثني القاسم بن محمد بن الحارث المرزوي قال‏:‏ حدَّثني سهل بن يحيى

بن محمد قال‏:‏ أخبرني أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ لما بلغ الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم قالوا‏:‏ ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل‏.‏

وبلغ ذلك عمرو بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه‏:‏ إنك قد أزريت على من كان قبلك من

الخلفاء وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضًا لهم وسبًا لمن بعدهم من أولا دهم قطعت ما

أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثيم فأدخلتها في بيت المال جورًا

وعدوانًا ولن تترك على هذا فلما قرأ كتابه كتب إليه‏:‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فإنني بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه‏:‏ أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانه أمة السكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل حوانيتها ثم الله أعلم بما اشتراها ذبيان من فيء المسلمين فأهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود‏.‏

ثم نشأت فكنت جبارًا عنيدًا أتزعم أني من الظالمين لما حرمتك وأهل

بيتك فيء الله عز وجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيًا سفيهًا على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك ولم تكن له في ذلك نية إلا

حب الوالد لولده فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة وكيف ينجو أبوك من

خصمائه‏.‏

وإن أظلم مني أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ويأخذ المال

الحرام وإن اظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيًا جافيًا على مصر أذن له في المعازف اللهو والشرب‏.‏

وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهمًا في خمس فيء العرب فرويدًا يا ابن بنانة فلو التقى خلقًا البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء فلطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق ومن وراء هذا أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقًا والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين‏.‏

أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري بإسناده عن عمرو بن مهاجر قهرمان عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ كان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز الوفاء عزيز‏.‏

أخبرنا علي بن أبي عمر بإسناد له عن قبيصة قال‏:‏ سمعت سفيان الثوري يقول‏:‏ الخلفاء

خمسة‏:‏ أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري

قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن الضحاك قال‏:‏ حدَّثنا الهيثم ين عدي

عن عوانة بن الحكم قال‏:‏

لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء إليه فأقاموا ببابه أيامًا لا يؤذن لهم‏.‏

فبينما هم كذلك وقد أزمعوا على الرحيل إذ مر بهم رجاء بن حيوة - وكان من خطباء أهل الشام - فلما رآه جرير داخلًا على عمر أنشأ يقول‏:‏

يا أيها الرجل المرخي عمامته ** هذا زمانك فاستأذن لنا عمر

قال‏:‏ فدخل ولم يذكر من أمرهم شيئًا ثم مر بهم عدي بن أرطأة فقال جرير‏:‏

يا أيها الرجل المرخي مطيته ** هذا زمانك إني قد مضى زمني

أبلغ خليفتنا إن كنت لا قيه أني ** لدى الباب كالمصفود في قرنلا تنس حاجتنا لقيت مغفرة قد ** طال مكثي عن أهلي وعن وطني

قال‏:‏ دخل عدي على عمر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة

وأقوالهم نافذة قال‏:‏ ويحك يا عدي مالي وللشعراء قال‏:‏ أعز الله أمير المؤمنين إن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قد امتدح وأعطى ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة قال‏:‏

كيف قال‏:‏ امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع به لسانه قال‏:‏ أو تروي منقوله شيئًا قال‏:‏ نعم فانشده يقول‏:‏

رأيتك يا خير البرية كلها ** نشرت كتابًا جاء بالحق معلما

شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا **عن الحق لما أصبح الحق مظلما

فمن مبلغ عني النبي محمدا ** وكل امرئ يجزي بما كان قدماأقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه** وكان قديمًا ركنه قد تهدماتعالى علوًا فوق عرش إلهنا ** وكان مكان الله أعلا وأعظماقال‏:‏ ويحك يا عدي من بالباب منهم قال‏:‏ عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قال‏:‏ أو ليس هو

الذي يقول‏:‏

ثم نبهنها فهبت كعابًا طفلة ما تبين رجع الكلام**ساعة ثم إنها بعد قالت ويلتا قد عجلت يا ابن الكرام**

أعلى غير موعد جئت تسري تتخطى إلى رؤوس النيام**

فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه لا يدخل علي والله أبدًا من بالباب سواه قال‏:‏

همام بن غالب يعني الفرزدق - قال‏:‏ أليس هو الذي يقول‏:‏

هما دلياني من ثمانين قامة كما ** انقض باز أقتم الريش كاسره

فلما استوى رجلاي بالأرض قالتا **أحي يرجى أم مثيل نحاذره

لا يطأ والله بساطي فمن سواه بالباب منهم قال‏:‏ الأخطل قال‏:‏ يا عدي هو الذي يقول‏:‏ولست بصائم رمضان طوعًا ** ولست بآكل لحم الأضاحي

ولست بزائر بيتًا بعيدًا ** بمكة ابتغي فيه صلاحي

ولست بقائم كالعير أدعو ** قبيل الصبح حيّ على الفلاح

ولكني سأشربها شمولا ** وأسجد عند منبلج الصباح

والله لا يدخل علي وهو كافر أبدًا فهل بالباب سوى من ذكرت قال‏:‏ نعم الأحوص قال

أليس هو الذي يقول‏:‏

الله بيني وبين سيدها ** يفر مني بها واتبعهفمن ها هنا أيضًا قال‏:‏ جميل بن معمر قال يا عدي هو الذي يقول‏:‏

ألا ليتنا نحيا جميعًا وإن أمت يوافق في الموتى ضريحها ضريحي

فما أنا في طول الحياة براغب إذا قيل قد سوي عليها صفيحافلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحًا والله لا يدخل عليّ أبدًا فهلسوى من ذكرت أحد قال نعم جرير بن عطية قال‏:‏ أما أنه الذي يقول‏:‏

طرقتك صائدة القلوب فليس ذا حين الزيارة فارجعي بسلام

فإن كان لا بد فهو فأذن لجرير فدخل وهو يقول‏:‏

إن الذي بعث النبي محمدًا ** جعل الخلاقة للإمام العــادلإني لأرجو منك خيرًا عاجلًا ** والنفس مولعة بحب العاجل

فلما مثل بين يديه قال‏:‏ ويحك يا جرير اتق الله ولا تقل إلا حقًا فأنشأ جرير يقول‏:‏

أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ** أم قد كفاني بما بلغت من خبري

كم باليمامة من شعثاء أرملة ** ومن يتيم ضعيف الصوت والنظرممن يعدك تكفي فقد والده كالفرخ ** في العش لم ينهض ولم يطر

يدعوك دعوة ملهوف كأن به خبلًا ** من الجن أو مسًا من البشر

خليفة الله ماذا تأمرون بنا ** لسنا إليكم ولا في دار منتظر

مازلت بعدك في هم يؤرقني ** قد طال في الحي إصعادي ومنحدري

لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ** ولايعود لنا باد على حضرإنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ** من الخليفة ما نرجو من المطر

نال الخلافة إذ كانت له قدرًا ** كما أتى ربه موسى على قدرهذي الأرامل قد قضيت حاجتها ** فمن لحاجة هذا الأرامل الذكرقال‏:‏ وقد ذكر أنه قال له‏:‏ ويحك يا جرير لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاثمائة درهم فمائة

أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبيد الله يا غلام أعطه المائة الباقية قال‏:‏ فأخذها وقال‏:‏

والله لهي أحب من كل ما اكتسبته‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج فقال له الشعراء‏:‏ ما وراءك قال‏:‏ ما يسركم خرجت من عند أمير المؤمنين

وهو يعطي الفقراء ويعطي الشعراء وإني عنه لراض وأنشأ يقول‏:‏

رأيت رقى الشيطان لا يستفزه ** وقد كان شيطاني من الجن راقيا

وحكى ابن قتيبة عن حماد الرواية قال‏:‏ لي كثير‏:‏ ألا أخبرك بما دعاني إلى ترك الشعر قلت‏:‏

خبرني قال‏:‏ شخصت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز وكل واحد منا يدل عليهبسابقة له أو خلة ونحن لا نشك في أنه سيشركنا في خلافته فلما رفعت لنا أعلام خناصرهلقينا مسلمة بن عبد الملك جائيًا من عنده وهو يومئذ فتى العرب فسلمنا عليه فرد السلام ثم

قال‏:‏ أما بلغكم أن أمامكم لا يقبل الشعر قلت‏:‏ ما وضح لنا حتى لقيناك‏.‏

ووجمنا وجمة عرف ذلك فينا قال‏:‏ إن يكن ما تحبون وإلا فما ألبث حتى أرجع إليكم فأمنحكم ما أنتم أهله فلما قدم كانت رحالنا هذه بأكرم منزل وأفضل منزول عليه وأقمنا أربعة أشهر يطلب لنا الأذن هو وغيره فلم يأذن لنا إلى أن قلت في جمعة من تلك الجمع‏:‏ لو أني دنوت من عمر فسمعت كلامه فتحفظته كان ذلك رأيًا فكان مما تحفظته من كلامه يومئذ‏:‏ لكل سفر لا محالة زاد فتزودوا من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه فترغبوا وترهبوا ولا يطولن عليكم الأمر فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم في كلام كثير‏.‏

ثم قال‏:‏ أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيبتي وتبدو مسكنتي

في يوم لا نفع فيه إلا الحق والصدق‏.‏

ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه وارتج المسجد بالبكاء والعويل فرجعت إلى أصحابي فقلت خذوا في شرح من الشعر غير ما كنا نقول لعمه وأبائه فإن الرجل أخروي وليس بدنيوي إلى أن استأذن لنا مسلمة يوم جمعة فأذن لنا بعدما أذن للعامة فلما دخلت سلمت ثم قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلت الفائدة وتحدثت بجفائك إيانا وفود العرب فقال‏:‏ يا كثير ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‏}‏ فقلت ابن السبيل منقطع به‏.‏

وأنا صاحبك قال‏:‏ أولست ضيف أبي سعيد قلت بلى قال‏:‏ ما أرى من كان ضيفه منقطعًا به قلت‏:‏ أفتأذن لي بالإنشاد يا أمير المؤمنين قال‏:‏ قل ولا تقل إلا حقًا فقلت‏:‏وليت فلم تشتم عليًا ولم تخف **بريًا ولم تقبل إشارة مجرموصدقت بالفعل المقال مع ال**ذي أتيت فأمسى راضيًا كل مسلم

وتومض أحيانًا بعين مريضة ** وتبسم عن مثل الجمان المنظمفأعرضت عنها مشمئزًا كأنما ** سقتك مذوقًا من سمام وعلقموقد كنت من أجبالها في ممنع **ومن بحرها في مزبد الموج مفعم

فلما أتاك الملك عفوا ولم **يكن لطالب دنيا بعده من تكلم

تركت الذي يفنى وإن كان **مونقًا وآثرت ما يبقى برأي مصمم

سما لك هم في الفؤاد مؤرق ** بلغت به أعلى البناء المقدم

فما بين شرق الأرض والغرب ** كلها مناد ينادي من فصيح وأعجم

يقول أمير المؤمنين ظلمتني ** بأخذ لدينار ولا أخذ درهم

ولا بسط كف بامرئ غير مجرم **ولا السفك منه ظالمًا ملء محجم

فاربح بها من صفقة لمتابع **وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم

فقال لي‏:‏ يا كثير إنك تسأل عما قلت‏.‏

ثم تقدم الأحوص فاستأذنه في الإنشاد فقال‏:‏ قل ولا

تقل إلا حقًا فقال‏:‏

وما الشعر إلا خطبة من مؤلف ** بمنطق حق أو بمنطق باطل

ولكن أخذت القصد جهدك كله ** تقفو مثال الصالحين الأوائل

فقلنا ولم نكذب بما قد بدا ** لنا ومن ذا يرد الحق من قول قائلومن ذا يرد السهم بعد مضائه ** على فوقة إن عار من نزع نابلولو لا الذي عودتنا خلائف ** غطاريف كانت كالليوث البواسللما وخدت شهرًا برجلي رسله ** تغل متون البيد بين الرواحل

فإن لم يكن للشعر عندك موضع ** وإن كان مثل الدر من قول قائل

فإن لنا قربى ومحض مودة ** وميراث آباء مشوا بالمناصـــل

فذادوا عمود الشرك عن عقر دارهم ** وأرسوا عمود الدين بعد التمائلوقبلك ما أعطى هنيدة جلة ** على الشعر كعبًا من سديس وبـــازلرسول الإله المستضاء بنوره ** عليه سلام بالضحى والأصائـــل

فكل الذي عددت يكفيك بعضه ** ونيلك خير من بحور ســـوائل

فقال‏:‏ يا أحوص إنك تسأل عما قلت‏.‏وتقدم نصيب فاستأذنه في الإنشاد فلم يأذن له وأمره

قال المصنف‏:‏ وما زال عمر بن عبد العزيز منذ ولي يجتهد في العدل ومحو الظلم وترك الهوى وكان يقول للناس‏:‏ ارحلوا إلى بلادكم فإني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم‏.‏

ومن ظلمه عامله فلا إذن له علي‏.‏

وخير جواريه لما ولي فقال‏:‏ قد جاء أمر شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أرادأن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء قالت زوجته فاطمة ما أعلم أنه اغتسل لا من

جنابة ولا من احتلام منذ ولي إلى أن مات‏.‏

وقيل لها اغسلي قميصه فقالت‏:‏ والله لا يملك غيره‏.‏أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد العلاف قال‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن

بشران قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا

أبو الفضل الربعي قال‏:‏ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عدي قال‏:‏

كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان - زوجة عمر - جارية ذات جمال فائق وكان عمر

معجبًا بها قبل أن تفضي إليه الخلافة فطلبها منها وحرص فغارت من ذلك فلم تزل في نفس

عمر فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت ثم حليت فكانت حديثًا في سنها

وجمالها ثم دخلت فاطمة بالجارية على عمر فقالت يا أمير المؤمنين إنك كنت بفلانة معجبًا

وسألتنيها فأبيت ذلك عليك وإن نفسي قد طابت لك بها اليوم فدونكها فلما قالت ذلكاستبانت الفرح في وجهه ثم قال‏:‏ ابعثي بها إلي فلما دخلت عليه نظر في شيء أعجبه فازداد

بها عجبًا فقال لها‏:‏ ألقي ثوبك فلما همت أن تفعل قال‏:‏ على رسلك اقعدي اخبرني لمن

كنت ومن أين أنت لفاطمة قالت‏:‏ كان الحجاج بن يوسف أغرم عاملًا كان له من أهل

الكوفة مالًا وكنت في رقيق ذلك العامل فاستصفاني عنه مع رقيق له وأموال فبعث بي إلىعبد الملك بن مروان وأنا يومئذ صبية فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة‏.‏

قال وما فعل ذلك العامل قالت‏:‏ هلك وما ترك ولدًا قالت‏:‏ بلى قال‏:‏ وما حالهم قالت‏:‏ بشرّ قال‏:‏ شدي عليك ثوبك‏.‏

ثم كتب إلى عبد الحميد عامله على بلدهم‏:‏ أن سرح لي فلان بن فلان على البريد لما قدم قال‏:‏

ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك فلم يرفع إليه شيئًا إلا دفعه إليه ثم أمر بالجارية فدفعت

إليه فلما أخذها بيدها قال‏:‏ إياك وإياها فإنك حديث السن ولعل أباك أن يكون قد وطئهافقال الغلام‏:‏ يا أمير المؤمنين هي لك قال لا حاجة لي فيها قال‏:‏ فابتعها مني قال لست إذا ممن

ينهى النفس عن الهوى‏.‏

فمضى بها الفتى فقالت له الجارية‏:‏ فأين موجدتك بي يا أمير المؤمنينقال‏:‏ إنها لعلى حالها ولقد ازدادت فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات‏.‏

أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بنعبد الله بن خلف قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن مطرف قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن المغلس الجماني قال‏:‏

حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد قال‏:‏ حدَّثنا ابن المبارك عن سفيان عن أبي الزناد عن أبيحازم قال‏:‏ قدمت على عمر بن عبد العزيز وقد ولي الخلافة فلما نظر إلي عرفني ولم أعرفه فقال‏:‏ ادن مني فدنوت منه فقلت أنت أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم فقلت‏:‏ ألم تكن عندنا بالمدينة أميرًا

فكان مركبك وطيًا وثوبك نقيًا ووجهك بهيًا وطعامك شهيًا وخدمك كثير فما الذي غيرك

وأنت أمير المؤمنين فبكى وقال‏:‏ يا أبا حازم فكيف لو رأيتني بعد ثلاث في قبري وقد سالت

حدقتاي على وجنتي ثم جف لساني وانشقت بطني وجرت الديدان في بدني لكنت لي أشد

إنكارًا أعد عليّ الحديث الذي حدثتني بالمدينة قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين سمعت أبا هريرة يقول‏:‏

سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن بين أيديكم عقبة كؤودًا مضرسة لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول ‏"‏

قال‏:‏ فبكى بكاء طويلًا ثم قال لي‏:‏ يا أبا حازم أما ينبغي لي أن أضمر نفسي لتلك العقبة

فعسى أن أنجو منها يومئذ وما أظن أني مع هذا البلاء الذي ابتليت به من أمور الناس بناج‏.‏

ثم رقد ثم تكلم الناس فقلت أقلوا الكلام فما فعل به ما ترون إلا سهر الليل ثم تصبب عرقًا في

يوم الله أعلم كيف كان ثم بكى حتى علا نحيبه ثم تبسم فسبقت الناس إلى كلامه فقلت‏:‏ ياأمير المؤمنين رأيت منك عجبًا إنك لما رقدت تصببت عرقًا حتى ابتل ما حولك ثم بكيت

حتى علا نحيبك ثم تبسمت فقال لي‏:‏ وقد رأيت ذلك قلت‏:‏ نعم ومن كان حولك من الناس

رآه فقال لي‏:‏ يا أبا حازم أني لما وضعت رأسي فرقدت رأيت كأن القيامة قد قامت

واجتمع الناس فقيل‏:‏ انهم عشرون ومائة صف فملأوا الأفق أمة محمد من ذلك ثمانون صفًا

مهطعين إلى الداعي ينتظرون متى يدعون إلى الحساب إذ نودي أين عبد الله بن عثمان أبو بكر

الصديق فأجاب فأخذته الملائكة فأوقفوه أمام ربه عز وجل فحوسب ثم نجا وأخذ به ذاتاليمين ثم نودي بعمر فقربته الملائكة فوقفوه أمام ربه فحوسب ثم نجا وأمر به وبصاحبه إلى

الجنة‏.‏

ثم نودي بعثمان فأجاب فحوسب يسيرًا ثم أمر به إلى الجنة ثم نودي بعلي بن أبيطالب فحوسب ثم أمر به إلى الجنة‏.‏فلما قرب الأمر مني أسقط في يدي ثم جعل يؤتى بقوم لا أدري ما حالهم ثم نودي أين عمر بن عبد العزيز فتصببت عرقًا ثم سئلت عن الفتيل والنقيروالقطمير وعن كل قضية قضيت بها ثم غفر لي فمررت بجيفة ملقاة فقلت للملائكة‏:‏ من هذا فقالوا إنك لو كلمته كلمك فوكزته في رجلي فرفع رأسه إلي وفتح عينيه فقلت له‏:‏ من أنت فقال لي‏:‏ من أنت فقلت‏:‏ أنا عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ ما فعل الله بك قلت‏:‏ تفضل علي وفعل بي ما فعل بالخلفاء الأربعة الذين غفر لهم وأما الباقون فما أدري ما فعل بهم فقال لي‏:‏ هنيئًا لك ما صرت إليه‏.‏

فقلت له‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا الحجاج قدمت على الله عز وجل فوجدته شديد العقاب فقتلني بكل قتله قتلة وها أنا موقوف بين يدي الله عز وجل أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم إما إلى الجنة أو إلى النار‏.‏قال أبو حازم‏:‏ فعاهدت الله عز وجل بعد رؤيا عمر بن عبد العزيز ألا اقطع على أحد بالنارممن يموت وهو يقول لا إله إلا الله‏.‏وفي هذه السنة وجه عمر إلى مسلمة بن عبد الملك وهو بأرض الروم فأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يعقوب قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن النعمان بن بشير النيسابوري قال‏:‏ حدَّثنا نعيم بن حماد قال‏:‏ حدَّثني نوح بن أبي مريم عن حجاج بن أرطأة قال‏:‏ كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز‏:‏ من ملك الهند الذي في مربطه ألف فيل والذي تحته ألف ملك والذي له نهران ينبتان العود والكافور إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئًا أما بعد‏.‏

فإني قد أهديت لك هدية وما هي بهدية ولكنها تحية وأحببت أن تبعث إليّ رجلًا

يعلمني ويفهمني الإسلام‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا جماعة من المسلمين فوجه عمر من قتلهم فلم يفلت منهم إلا اليسير وقدم عليه منهم بخمسين أسيرًا‏.‏

وفيها‏:‏ عزل عمر يزيد بن المهلب عن العراق وحبسه ووجه على البصرة وأرضها عدي ابن أرطأة الفزاري ووجه إلى الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن القرشي وضم إليه أبا الزناد فكان أبو الزناد كاتب عبد الحميد‏.‏وفيها‏:‏ حج بالناس أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان عامل عمر على المدينة‏.‏

وكان عامله على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن وعلى البصرة وأرضها عدي بن أرطأة وعلى خراسان الجراح بن عبد الله وكان الواقدي يقول‏:‏ كان على قضاء الكوفة من قبل عبد الحميد الشعبي وعلى قضاء البصرة من قبل عدي بن أرطأة الحسن البصري ثم إن الحسن استعفى عديًا فأعفاه وولي أياسًا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي

كان شريفًا كريمًا ويسمى أسد قريش وأسد الحجاز وكان أعرج وهو أخو عبد الله بن حسن

ين حسن بن علي لأمه فاطمة بنت الحسين‏.‏روى عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس واستعمله عبد الله بن الزبير على خراج الكوفة‏.‏

توفي بمنى ليلة جمع محرمًا ودفن أسفل العقبة‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا علي بن أحمد بن البسري عن أبي عبد الله بن بطة العكبري

قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الآجري قال‏:‏ أخبرنا أبو نصر محمد بن كردي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر المرزوي قال‏:‏ أخبرت أن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏

لما ولي الحجاج بن يوسف الحرمين بعد قتل ابن الزبير أشخص إبراهيم بن محمد بن طلحة بنعبيد الله وقربه في المنزلة فلم يزل كذلك عنده حتى خرج عبد الملك بن مروان زائرًا له فخرجمعادلًا له لا يترك توشيحه وتعظيمه فلما حضر باب عبد الملك حضر معه فدخل على عبدالملك فلم يبدأ بشيء بعد التسليم أولى من أن قال‏:‏ قدمت عليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز

لم أدع والله فيها نظيرًا في كمال المروؤة والأدب وحسن المذهب و الطاعة والنصيحة مع القرابة ووجوب الحق وفضل الأبوة إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله وقد أحضرته بابك أسهل عليه أذنك وتلقاه ببشرك وتفعل به ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ ذكرتنا حقًا وواجبًا ورحمًا قريبة يا غلام ائذن لإبراهيم بن محمد بن طلحة‏.‏فلما دخل قربه حتى أجلسه على فراشه ثم قال له‏:‏ يا ابن طلحة إن أبا محمد ذكرنا ما لم نزل نعرفك به في الفضل والأدب وحسن المذهب مع قرابة الرحم ووجوب الحق فلا تدعن حاجة في خاص من أمرك ولا عام إلا ذكرتها قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أولى الأمور أن يفتتح به الحوائج وترجى به الزلف ما كان الله عز وجل رضى ولحق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أداء ولك ولجماعة المسلمين نصيحة وإن عندي نصيحة لا أجد بدًا من ذكرها ولا يكون البوح بها إلا وأنت خال فأخلني حتى ترد عليك نصيحتي قال‏:‏ دون أبي محمد قال‏:‏ دون أبي محمد فقال قم يا حجاج فلم جاز حد الستر قال‏:‏ قل يا أبا طلحة نصيحتك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك عمدت إلى الحجاج في تغطرسته وتعجرفه وبعده عن الحق وركونه إلى الباطل فوليته الحرمين وبهما ما بهما وفيهما ما فيهما من المهاجرين والأنصار والموالي والأخيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبناء الصحابة يسومهم الخسف ويطؤهم بالعسف ويحكم بينهم بغير السنةويطؤهم بطغام من أهل الشام وزعازع لا روية لهم في إقامة حق ولا إزاحة باطل ثم ظننتأن ذلك فيما بينك الله راهق وفيما بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاثاك

لخصومته إياك في أمته أما والله لا تنجو هنالك إلا بحجة تضمن لك النجاة فاربع على نفسك

أو دع فقال‏:‏ كذبت ومنت وظن بك الحجاج ما لم نجده عندك فلربما ظن الخير بغير أهله قمفأنت الكاذب المائن قال‏:‏ فقمت وما أبصرت طريقًا فلما خلفت الستر لحقني لا حق من قبله

فقال للحاجب‏:‏ احبس هذا ادخل يا أبا محمد‏.‏

قال‏:‏ فدخل الحجاج ثم لبث مليًا لا شك أنهما في أمري ثم خرج الإذن‏:‏ ثم يا أبا طلحة ادخل

فقمت فلما كشف لي الستر لقيني بالحجاج وهو خارج وأنا داخل فاعتقني وقبل ما بين عيني ثم

قال‏:‏ إذا ما جزى الله المتواخين بفضل تواصلهم جزاك الله أفضل ما جزى أخًا عن أخيه فواللهلئن سلمت لأرفعن ناظرك ولأعلين كفك ولأتبعن الرجال غبار قدمك‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ تهزأ بي‏.‏فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني في مجلسي الأول ثم قال‏:‏ يا بن طلحة لعل

أحدًا من الناس شاركك في نصيحتك قلت‏:‏ لا والله ولا أعلم أحدًا كان أظهر عندي معروفًاولا أوضح يدًا من الحجاج ولو كنت محابيًا أحدًا بديني لكان هو ولكني آثرت الله ورسوله

صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأنت عليه قال‏:‏ قد علمت أنك آثرت الله ولو أردت الدنيا

كان لك في الحجاج كفاية وقد أزحت الحجاج عن الحرمين وأعلمته أنك اسنتزلتني له عنهما

استصغارًا لهما عنه ووليته العراقين لما هناك من الأمور التي لا يدحضها إلا مثله وأعلمته أنك

استدعيتني إلى التولية عليهما استزادة له ليلزمه من نصيحتك ما يؤدي به عني إليك الحق وتصير معه إلى الذي يستحقه فاخرج معه فإنك غير ذام صحبته‏.‏سعيد بن أبي الحسن أخوه حسن البصري‏:‏

روى محمد بن سعد قال‏:‏ حدَّثنا عارم بن الفضل قال‏:‏ حدَّثنا حماد بن زيد عن يونس بن

عبيد قال‏:‏ لما مات سعيد بن أبي الحسن حزن عليه الحسن حزنًا شديدًا فأمسك عن الكلام حتى عرف ذلك في مجلسه وحديثه فكلم في ذلك فقال‏:‏ الحمد لله الذي لم يجعل الحزن عار على يعقوب ثم قال‏:‏ بئست الدار المفرقة‏.‏

وقال ابن عون‏:‏ دفع إلي الحسن برنسًا كان لأخيه سعيد لأبيعه فقلت‏:‏ أشتريه أنا فقال‏:‏ أنت

أعلم ولكني لا أحب أن أراه عليك‏.‏

لبس يومًا حلة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال‏:‏ أنا الملك الشاب فما عاش بعد

ذلك إلا اسبوعًا‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر محمد بن

علي بن البيع قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن

شاذان قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله بن عرفة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عيسى أنه سمع عبد الله بن

محمد التيمي يقول‏:‏ كان سليمان بن عبد الملك يومًا جالسًا فنظر في المرآة إلى وجهه وكان حسن الوجه فأعجبه ما رآه من جماله وكان على رأسه وصيفه فقال‏:‏ أنا الملك الشاب فرأى شفتي جاريته تتحركان فقال لها‏:‏ ما قلت قالت‏:‏ خيرًا‏.‏قال‏:‏ لتخبرني قالت‏:‏ قلت‏:‏ أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسان

وزاد غيره في الشعر بيتًا أخر فقال‏:‏ أنت خلو من العيوب ومما يكره الناس غير أنك فاني

ثم خرج إلى المسجد يخطب فسمع أقصى من في المسجد صوته ثم لم يزل يضعف وانصرف

محمومًا حمى موصولة بمنيته فكانت وفاته سنة تسع وتسعين وهو ابن أربعين سنة‏.‏توفي بدابق من أرض قسرين يوم الجمعة لعشر ليال بقين - وقيل مضين - من صفر‏.‏

وكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر وخمس أيام‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو علي التميمي قال‏:‏ حدَّثنا أبو

بكر بن مالك قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا يزيد قال‏:‏ حدَّثنا

عبد الله ين يونس عن سيار أبي الحكم قال‏:‏ لما دخل سليمان بن عبد الملك قبره أدخله عمر بن عبد العزيز وابن سليمان فاضطرب على أيديهما فقال ابنه‏:‏ عاش والله أبي فقال‏:‏ لا والله ولكن عوجل أبوك‏.‏

عبد الله بن مطر أبو ريحانة‏:‏ روى عن ابن عمر وسفينة‏.‏

أخبرنا عبد الله بن علي المقري قال‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران

قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن عبيد الله قال‏:‏ حدَّثني محمد بن الحسينقال‏:‏ حدَّثني موسى بن عيسى العابد قال‏:‏ حدَّثنا ضمرة عن فروة الأعمى قال‏:‏

قال‏:‏ ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه فسقطت إبرته في البحر فقال‏:‏ عزمت

عليك يا رب إلا رددت عليّ إبرتي فظهرت حتى أخذها‏.‏

قال‏:‏ واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال‏:‏ اسكن أيها البحر فإنما أنت عبد حبشي

فسكن حتى صار كالزيت‏.‏

عبد الله بن خارجة بن حبيب بن قيس بن حارثة بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان

شاعر من أهل الكوفة متعصب لبني أمية وهو الأعشى أعشى بني ربيعة‏.‏

دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده يقول‏:‏

وما أنا في أمري ولا في خصومتي ** بمهتضم حقي ولا قارع قرني

ولا مسلم مولاي عند جناية ** ولا خائف مولاي من شر ما أجني

وإن فؤادي بين جنبي عالم بما ** أبصرت عيني وما سمعت أذني

وفضلني في الشعر واللب أنني ** أقول على علم وأعرف من أعني

فأصبحت إذ فضلت مروان وابنه **على الناس قد فضلت خير أب وابنفقال عبد الملك من يلومني على هذا وأمر له بعشرة آلاف درهم وعشر تخوت من ثيابوعشر قلائص من الإبل أقطعة ألف جريب‏.‏

ودخل عليه يومًا فأنشده يقول‏:‏

وأنت غدا تزيد الضعف ضعفًا ** كذاك تزيد سادة عبد شمسالقاسم بن مخيمرة الهمداني‏:‏ كوفي الأصل ثم نزل الشام وروى عن عبد الله بن عمر وعن خلق كثير من التابعين‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناد له عن الأوزاعي عن القاسم أنه كره صيد الطير أيام

فراخه‏.‏

وروى سعيد بن عبد العزيز عن القاسم بن مخيمرة قال‏:‏ ما اجتمع على مائدتي لونان من

الطعام ولا غلقت بابي ولي خلفه هم وأتيت عمر بن عبد العزيز فقضى عني سبعين دينارًاوحملني على بغلة وفرض لي في خمسين فقلت‏:‏ أغنيتني عن التجارة فسألني عن حديث فقلت‏:‏

هبني يا أمير المؤمنين فكأنه كره أن يحدثه بعد لأجل العطاء محمود بن الربيع بن الحارث بن الخزرج رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجة مجها في وجهه وهو ابن خمس سنين وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة وقيل‏:‏ أربع وتسعين سنة

 ثم دخلت سنة مائة

فمن الحوادث فيها

خروج الخارجة التي خرجت على عمر بالعراق

فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميّد بن عبد الرحمن عامل العراق يأمره أن يدعوهم إلى

العمل بكتاب الله عز زجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلما أعذر في دعائهم

بكتاب الله وسنة نبيه بعث إليهم عبد الحميّد جيشًا فهزمتهم الحرورية فبلغ عمر فبعث إليهم

مسلمة بن عبد الملك في جيش من أهل الشام جهزهم من الرقة فكتب إلى عبد الحميّد‏:‏ قد

بلغني ما فعل جيشك جيش السوء وقد بعثت مسلمة بأهل الشام فلم ينشب أن أظهره الله عز

وجل عليهم وذكر أبو عبيد معمر بن المثنى‏:‏ أن الذي خرج على عبد الحميّد بالعراق في خلافة عمر بن عبد العزيز ابن شوذب واسمه بسطام من بني يشكر وكان مخرجه يجوخي في ثمانين فارسًا أكثرهم من ربيعة فكتب عمر إلى عبد الحميّد ألا تحركهم إلا أن يسفكوا دمًا أو يفسدوا في الأرض فإن فعلوا فحل بينهم وبين ذلك وانظر رجلًا حازمًا فوجهه إليهم ووجه معه جندًا وأوصه بما أمرتك به‏.‏فعقد عبد الحميّد لمحمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين من أهل الكوفة وأمره بما أمر به

عمر وكتب عمر إلى بسطام يدعوه ويسأله عن مخرجه فقدم كتاب عمر عليه وفيه‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

إنه بلغني أنك خرجت غاضبًا لله عز وجل ولنبيه صلى الله عليه وسلم ولست بأولى بذلك مني فهلم أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرك‏.‏

فلم يحرك بسطام شيئًا وكتب إلى عمر‏:‏ قد أنصفت وقد بعثت إليك برجلين يناظرانك

فدخلا عليه فقالا‏:‏ أخبرنا عن يزيد لما تعده خليفة بعدك قال صيره غيري قالا‏:‏ أفرأيت لووليت مالًا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك فقال‏:‏

انتظراني ثلاثًا فخرجا من عنده وخاف بنو مروان أن يخرج ما في أيدهم من الأموال وأن يخلعيزيدًا فدسوا إليه من سقاه سمًا فلم يلبث بعد خروجهم إلا ثلاثًا حتى مات رضي الله عنه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ -أغزى عمر الوليد بن هشام المعيطي وعمر بن قيس الكندي من أهل حمص الصائفة أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الحيري قالت‏:‏ أخبرنا علي بن الحسين بن الفضل قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب قال‏:‏ أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال‏:‏ حدَّثني الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن عبد العزيز قال‏:‏ أخبرني ابن العلاء - أحسبه أبا عمرو بن العلاء أو أخاه - عن جويرية عن إسماعيل بن أبي حكيم قال‏:‏ بعثني عمر بن عبد العزيز حين ولي في الفداء فبينا أنا أجول في القسطنطينيه إذ سمعت صوتًا يغني ويقول‏:‏

أرقت وغاب عني من يلوم **ولكن لم أنم أنا والهموم

كأني من تذكر ما ألاقي **إذا ما أظلم الليل البهيم

سقيم مل منه أقربوه **وودعه المداوي والحميّم

وكم في بحرة بين المنقا ** إلى أحد ماء زريمإلى الجماء من خد أسيل ** نقي اللون ليس به كلوميضيء به الظلام إذا تبدى ** كضوء الفجر منظره وسيم

فلما أن دنا منا ارتحال ** وقرب ناجيات السير كوم

أتين مودعات والمطايا **على أكوارها خوص هجومفقائلة ومثنية علينا ** تقول وما لها فينا حميّمتعد لنا الليالي تحتصيها ** متى هو خائن منا قدوم

متى تر غفلة الواشين عنا ** تجد بدموعها العين السجوم

قال الزبير‏:‏ والشعر لبقيلة الأشجعي‏.‏قال إسماعيل بن أبي حكيم‏:‏ فسألته حين دخلت عليهفقلت له‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا الوابصي الذي أخذت فعذبت فجزعت فدخلت في دينهم فقلت‏:‏

إن أميّر المؤمنين عمر بن عبد العزيز بعثني في الفداء وأنت والله أحب من أفتديه إلا إن لم تكن بطنت في الكفر قال‏:‏ والله لقد بطنت في الكفر فقلت‏:‏ أنشدك الله أسلم فقال‏:‏ أسلم وهذان

ابناي وقد تزوجت امرأة وهذان ابناها وإذا دخلت المدينة قال أحدهم‏:‏ يا نصراني وقيل

لولدي وأمهم وولدهم كذلك لا والله لا أفعل فقلت له‏:‏ قد كنت قارئًا للقرآن إني والله من

أقرأ القراء للقرآن فقلت‏:‏ مابقي معك من القرآن قال‏:‏ لا شيء إلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين

كفروا لو كانوا مسلميّن‏}‏‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ أشخص عمر بن هبيرة الفزازي إلى الجزيرة عاملًا عليها‏.‏

وفيها حمل يزيد بن المهلب من العراق إلى عمر بن عبد العزيز سبب ذلك أن يزيد نزل واسطًا ثم ركب السفن يريد البصرة فبعث إلى عمر عدي بن أرطأة إلى البصرة فأوثقه ثم بعث به إلى عمر فدعا به عمر - وكان عمر يبغضه ويبغض بنيه ويقول جبابرة وكان يزيد يبغض عمر - فلما وصل إلى عمر سأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان قال‏:‏ إنما كتبت إليه لأسمع الناس ولم يكن سليمان ليأخذني بشيء سمعت به فقال له‏:‏ ما أجد في أمرك إلا حبسك فاتق الله وأدّ ما قبلك فإنها حقوق المسلميّن لا يسعني تركها فحبسه إلى أن مرض عمر‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ عزل عمر الجراح عن خراسان وولاها عبد الرحمن بن نعيم القشيري وكانت ولاية الجراح خراسان سنة وخمسة أشهر‏.‏وفي هذه السنة‏:‏

وجه محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس إلى العراق وإلى خراسان من يدعو إليه وإلى أهل

بيته فاستجاب له جماعة وكتب لهم محمد بن علي كتابًا ليكون لهم مثالًا وسيرة يسيرون بهاوكان يقول لرجال أهل الدعوة حين أراد توجيههم‏:‏ أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي وولده

وأما البصرة وسوادها فعثمانية ترى الكف تقول‏:‏ كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل

وأما الجزيرة فحرورية وأما الرقة فمسلمون أحلاف النصارى وأما أهل الشام فلا يعرفون إلا

طاعة بني مروان وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليها أبو بكر عمر ولكن عليكم بخراسان

فإن هناك الصدور السليمة والقلوب الفارغة التي لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏حج بالناس أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال

في السنة التي قبلها ما خلا خراسان فإن عاملها في آخر السنة كان عبد الرحمن بن نعيم على

الصلاة والحرب وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

وقع طاعون فقيل له‏:‏ طاعون عدي بن أرطأة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بسر بن سعيد مولى الحضرميّين‏:‏

روى عن زيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد‏.‏

وكان بسر ثقة من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا وتوفي بالمدينة وهو ابن ثمان وسبعين

ولم يدع كفنًا كان مع علي بن أبي طالب بالكوفة وقدم مصر بعد قتل علي وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت وغزا الأندلس مع موسى بن نصير وكان فيمن ثار مع ابن الزبير على عبد الملك فأتى به عبد الملك في وثاق فعفا عنه وكان عبد الملك حين غزا المغرب مع معاوية بن خديج ونزل عليه بإفريقيا سنة خمسين فحفظ له ذلك‏.‏

وكان حنش أول من ولي عشور إفريقية في الإسلام وكان إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد أن يرقد أوقد المصباح وقدم المصحف وإناء فيه ماء وكان إذا وجد النعاس أخذ الماء وإذا تعايا في آية النظر في المصحف‏.‏

وتوفي بإفريقية في هذه السنة‏.‏

خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك أبو زيد‏:‏

روى عن أبيه وكان ثقة وقال‏:‏ رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة فلما فرغت منها

تهورت وهذه السنة لي سبعون قد أكملتها فمات فيها‏.‏

توفي في هذه السنة بالمدينة‏.‏عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز‏:‏ توفي في خلافة أبيه وكان صالحًا‏.‏أخبرنا علي بن أبي عمر قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسن البقلاوي قال‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الآجري قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله بن مخلد قال‏:‏ حدَّثني سهل بن عيسى المروزي قال‏:‏ حدَّثني القاسم بن محمد بن الحارث قال‏:‏ حدَّثنا سهل بن يحيى بن محمد المروزي قال‏:‏ أخبرني أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد لما ولي أبي عمر الخلافة وخطب إلى الناس ذهب يتبوأ مقيلًا فأتاه ابنه عبد الملك فقال‏:‏ ما تريد أن تصنع قال‏:‏ يا بني أقيل قال‏:‏ تقيل ولا ترد المظالم فقال‏:‏ أي بني إني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان فإذا صليت الظهر رددت المظالم قال‏:‏ يا أميّر المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر قال‏:‏ أدن مني أي بني‏.‏

فدنا منه فالتزمه وقبل بين عينيه وقال‏:‏ الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني فخرج ولم يقل‏.‏أخبرنا ابن ناصر عن أبي القاسم وأبي عمر ابني عبد الله بن منده عن أبيهما قال‏:‏ حدَّثنا أبو

سعيد بن يونس قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن نصر بن القاسم قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عمرو بن السراج

قال‏:‏ حدَّثنا ابن وهب قال‏:‏ حدَّثني الليث بن سعيد قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أبي جعفر عنعاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان‏:‏ أنه وفد على سليمان بن عبد الملك‏.‏

قال‏:‏ فنزلت على عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وهو عزب فكنت معه في بيته فلما صلينا العشاء وأوى كل رجل منا إلى فراشه فلما ظن أن قد نمنا قام إلى المصباح فأطفأه وأنا أنظر إليه ثم جعل يصلي حتى ذهب النوم قال‏:‏ فاستيقظت وهو يقرأ‏:‏ ‏{‏أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون‏}‏‏.‏

ثم بكى ثم رجع لم يزل يفعل حتى قلت سيقتله البكاء فلما رأيت ذلك قلت‏:‏ سبحان

أخبرنا عبد الوهاب ويحيى بن علي قالا‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد السكري قال‏:‏ أخبرنا أحمد

بن محمد بن الصلت قال‏:‏ حدَّثنا حمزة بن القاسم الهاشميّ قال‏:‏ حدَّثنا حنبل قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثني زياد بن أبي حسان‏:‏ أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك استوى قائمًا فأحاط به الناس فقال‏:‏ والله يا بني لقد كنت برًا بأبيك والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا بك ولا والله ما كنت قط أشد سرورًا بك ولا أرجى لحظي من الله منك مذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه فرحمك وغفر ذنبك وجزاك بأحسن من عملك ورحم كل شافع يشفع لك غيريشاهد أو غائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره والحمد لله رب العالميّن ثم انصرف‏.‏

عبد الرحمن بن مل بن عمر بن عديبن وهب بن ربيعة أبو عثمان النهدي

حج في الجاهلية حجتين وأسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يلقه

وهاجر إلى المدينة بعد موت أبي بكر فلقي عمر بن الخطاب‏.‏

وروى عنه وعن علي وسعد وسعيد وابن مسعود وأبيّ وغيرهم من الصحابة وكان ثقة ونزل الكوفة ثم صار إلى البصرة فحدث عنه أيوب وقتادة وسليمان وغيرهم وكان معه وشهد القادسية وجلولاء وتستر ونهاوند واليرموك وأذربيجان ورستم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن

علي الوراق قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا يوسف بن يعقوب النيسابوري قال‏:‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ حدَّثنا يزيد ين هارون قال‏:‏ أخبرنا الحجاج بن أبي زينب

قال‏:‏ سمعت أبا عثمان النهدي يقول‏:‏ كنا في الجاهلية نعبد حجرًا فسمعنا مناديًا ينادي‏:‏ يا أهل الرحال إن ربكم قد هلك فالتسموا ربا قال‏:‏ فخرجنا على كل صعب وذلول فبينا نحن كذلك نطلب إذا نحن بمناد ينادي‏:‏ إنا قد وجدنا ربكم أو شبهه قال‏:‏ فجئنا فإذا نحن بحجر فنحرنا عليه الجزر‏.‏أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا ابن الفضل قال‏:‏ أخبرنا عبد الله

بن جعفر قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب قال‏:‏ حدَّثنا الحجاج قال‏:‏ حدَّثنا حماد عن حميّد عن أبي

عثمان قال‏:‏ أتت عليّ نحو ثلاثين ومائة سنة وما شيء مني إلا وقد أنكرته إلا أملي فإني أجده كما هو‏.‏

توفي أبو عثمان في هذه السنة وهو ابن ثلاثين ومائة سنة‏.‏

بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونحن على ماء لنا وكان لنا صنم مدور فحملناه على قتبوانتقلنا من ذلك الماء إلى غيره فمررنا برملة فانسل الحجر فوقع في الرمل فغاب فيه فلما رجعنا إلى الماء فقدنا الحجر فرفعنا في طلبه فإذا هو في رمل قد غاب فاستخرجناه فكان ذلك أول إسلامي فقلت‏:‏ إن إلهًا لم يمتنع من تراب يغيب فيه لإله سوء وإن العنز لتمنع حياءها بثديها‏.‏فرجعت إلى المدينة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ روى أبو رجاء العطاردي عن عمر وابن عباس وأم قومه أربعين سنة

وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز‏.‏

مسلم بن يسار

أبو عبد الله مولى طلحة بن عبيد الله التيمي لقي جماعة من الصحابة وكان من العلماء المتعبدين وكان حسن الخشوع في الصلاة فوقع مرة إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئ‏.‏

وكان أرفع عند الناس من الحسن حتى خرج ابن الأشعث فوضعه ذلك‏.‏

وكان يقول‏:‏ ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح فقال له قائل‏:‏ فكيف بمن رآك واقفًا في

الصف قال‏:‏ هذا مسلم بن يسار ما وقف هذا الموقف إلا وهو على الحق فقاتل فقتل‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد الأنباري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بنمحمد بن يوسف قال‏:‏ حدَّثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن

إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا علي بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن حيان قال‏:‏

ذكر لمسلم بن يسار قلة التفاته في الصلاة قال‏:‏ وما يدركم أين قلبي قال أحمد بن إبراهيم‏:‏ وحدَّثنا هارون بن معروف قال‏:‏ حدَّثنا ضمرة عن ابن شوذب قال‏:‏

كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته‏:‏ تحدثوا فلست أسمع حديثكم‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا سعد الخير بن محمد قال‏:‏ أخبرنا علي بن أيوب قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد

الخلال قال‏:‏ حدَّثنا علي بن عمر بن علي التمار قال‏:‏ حدَّثنا جعفر بن محمد الخالدي قال‏:‏حدَّثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال‏:‏ حدَّثنا البرجلاني قال‏:‏ حدَّثنا غياث بن زياد قال‏:‏

حدَّثنا ابن المبارك قال‏:‏ قال‏:‏ مسلم بن يسار لأصحابه يوم التروية‏:‏ هل لكم في الحج قالوا‏:‏ خرف الشيخ على ذلك فلنطيعه قال‏:‏ من أراد ذلك فليخرج فخرجوا إلى الحسان برواحلهم فقال‏:‏ خلوا أزمتها فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة‏.‏  سنة إحدى ومائة فمن الحوادث فيهاهبرب يزيد بن المهلب من حبس عمر وذلك أنه خاف من يزيد بن عبد الملك لأنه كان قد عذب أصهاره آل أبي عقيل وذلك أن أم الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف كانت عند يزيد بن عبد الملك فولدت له الوليد بن يزيد وكان يزيد قد عاهد الله لئن أمكنه من يزيد بن المهلب ليقطهعن منه طابقًا فكان يخشى ذلك فبعث يزيد بن المهلب إلى مواليه فأعدوا له إبلًا ومرض عمر فأمر يزيد بإبله فأتى بها فخرج من محبسه فذهب وكتب إلى عمر‏:‏ إني والله لو علمت أنك تبقى ما خرجت من محبسي ولكني لم آمن يزيد بن عبد الملك فقال عمر‏:‏ اللهم إن كان يزيد يريد بهذه الأمة شرًا فاكفهم شره واردد كيده في نحره ومضى يزيد بن المهلب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ إنما هرب من سجن عمر بعد موته رضي الله عنه‏.‏وفي هذه السنة توفي عمر بن عبد العزيز واستخلف يزيد بن عبد الملك‏.‏

ويكنى أبا خالد وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية استخلف بعد وفاة عمر وكان يومئذ ابنتسع وعشرين سنة‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد

العتيقي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن منصور النوشري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود

الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَّثني هارون بن عبد الله الزهري عن عبيد الله

بن عمرو الفهري قال‏:‏ لما توفي عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ يزيد بن عبد الملك‏:‏ ما جعل عمر بن عبد العزيز لربه أرجى مني فتنسك وأقام أربعين يومًا لا تفوته صلاة في جماعة فقدم الأحوص فأرسلت له حبابة أنه ليس لي ولا لك عنده شيء ما دام على هذه الحال فقل أبياتًا أغنيها له عسى أن يترك ما هو عليه من النسك فقال الأحوص‏:‏ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ** فقد غلب المحزون أن يتخلداإذا كنت عزيفًا عن اللهو والصبا ** فكن حجرًا من يابس الصخر جلمدافما العيش إلا ما يلذ ويشتهى ** وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

فلما خرج يزيد للجمعة عرضت له حبابة على طريقه فحركت العود وغنت البيت الأول

فسبح فلما غنت الثاني قال‏:‏ مه مه ويحك لا تفعلي فلما غنت الثالث نفض عمامته وقال‏:‏

مروا صاحب الشرطة أن يصلي بالناس وجلس معها ودعي بالشراب وسألها عن قائل الشعر

فقالت‏:‏ الأحوص فأمر به فأدخل فأجازه وأحسن إليه وأنشده مديحه‏.‏

 فصل

ولما استخلف يزيد نزع أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن المدينة وولاها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري وبايع لأخيه هشام بالعهد من بعده ثم لابنه الوليد ولم يكن قد أبلغفلما بلغ ندم وقال‏:‏ الله بيني وبين من جعل هشام بيني وبينك يعني مسلمة‏.‏

وفي هذه السنة قتل شوذب الخارجي‏:‏ وقد ذكرنا أنه بعث رجلين يناظران عمر بن عبد العزيز فلما مات عمر أراد عبد الحميّد أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك فكتب على محمد بن جرير يأمره بمحاربة شوذب وأصحابه ولم يرجع رسولا شوذب ولم يعلم بموت عمر فلما رأى محمد بن جرير مستعدًا للحرب أرسل إليه شوذب ما أعجلكم قبل انقضاء المدة فيما بيننا وبينكم أليس قد تواعدنا إلى أن يرجع رسولانا فقيل له‏:‏ لا يسعنا غير هذا فبرز إليه شوذب فاقتتلوا وأصيب من الخوارج نفرًا وأكثروا في أهل الكوفة القتل فولوا منهزميّن والخوارج في أكتافهم حتى بلغوا أخصاص الكوفة فأقر يزيد عبد الحميّد على الكوفة ووجه من قبله تميّم بن الحباب في ألفين فراسل الخوارج وأخبرهم أنه لا يفارقهم على ما فارقهم عليه عمر فلعنوه ولعنوا يزيدًا فحاربهم فقتلوه وهزموا أصحابه فوجه إليهم نجدة بن الحكم الأزدي في جمع فقتلوه وهزموا أصحابه فبعث آخر في ألفين فقتلوه فانفذ مسلمة بن عبد الملك فنزل الكوفة ودعا سعيد بن عمرو الحرشي فعقد له على عشرة آلاف ووجهه فقال لأصحابه‏:‏ من كان يريد الله عز وجل فقد جاءته الشهادة ومن كان خرج للدنيا فقد ذهبت الدنيا منه فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا فكشفوا سعيدًا وأصحابه مرارًا حتى خافوا الفضيحة ثم حملوا على الخوارج فطحنوهم وقتلوا شوذب‏.‏

وفي هذه السنة لحق يزيد بن المهلب بالبصرة فغلب عليها وخلع يزيد بن عبد الملك وأخذ عاملهعدي بن أرطأة فحبسه‏.‏قد ذكرنا أن يزيد بن المهلب هرب من حبس عمر فلما بويع يزيد كتب إلى عبد الحميّد يأمره

بطلب يزيد بن المهلب وكتب إلى عدي بن أرطأة يأمره أن يأخذ من كان في البصرة من أهل

بيته فأخذهم وفيه المفضل وحبيب ومروان والمهلب وبعث عبد الحميّد هشام بن مساحق

في طلب يزيد فقال له‏:‏ أجيئك به أسيرًا أم أتيك برأسه فقال‏:‏ أي شئت فنزل هشام

بالعذيب فمر بهم يزيد فاتقوا الإقدام عليه فمضى نحو البصرة فنزل داره واختلف الناس إليه

وبعث إلى عدي بن أرطأة‏:‏ ادفع إلي أخوتي وأنا أخليك والبصرة حتى آخذ لنفسي ما أحب منيزيد بن عبد الملك‏.‏

فلم يقبل منه وكان يزيد بن المهلب يعطي الناس المال فمالوا إليه وخرج

حميّد بن عبد الملك بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك فبعث معه خالد بن عبد الله القسري

وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد ين المهلب وأهل بيته وخرج يزيد بن المهلب حين اجتمع الناس إليه حتى نزل جبانة بني يشكر فخرج إليه عدي فاقتتلوا فهزم أصحاب يزيد وجاء يزيد فنزل دار سلم بن زياد وأخذ عديًا فحبسه وهرب رؤوس أهل البصرة فمنهم من لحق عبد الحميّد بالكوفة ومنهم من لحق بالشام‏.‏وجاء خالد القسري وعمر بن يزيد ومعهما حميّد بن عبد الملك بالأمان ليزيد بن المهلب منيزيد بن عبد الملك فوصلوا وقد فات الأمر وغلب يزيد بن المهلب على البصرة وخلع يزيد بن

عبد الملك واستوثقت له البصرة وبعث عماله إلى الأهواز وفارس وكرمان وبعث أخاه مدرك

بن المهلب إلى خراسان وخطب يزيد بن المهلب الناس وأخبرهم أنه يدعو إلى كتاب الله وسنةنبيه صلى الله عليه وسلم ويحث على الجهاد ويزعم أن جهاد أهل الشام أعظم ثوابًا من جهادالترك والديلم‏.‏

فدخل الحسن البصري إلى المسجد فقال لصاحبه‏:‏ انظر هل ترى وجه رجل تعرفه فقال‏:‏ لا

والله فقال‏:‏ فوالله هؤلاء الغثاء فدنا من المنبر وإذا هو يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال الحسن‏:‏ يزيد يدعو على كتاب الله والله لقد رأيناك واليًا وموليًا عليه فجعلأصحابه يأخذون على فيه لئلا يتكلم فقال الحسن‏:‏ إنما كان يزيد بالأمس يضرب رقاب هؤلاء

ويسرح بها إلى آل مروان يريد رضاهم فلما غضب نصب هؤلاء وقال‏:‏ أدعوكم إلى كتاب اللهوسنة العمرين وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى محبس عمر فقال رجل‏:‏ يا أبا سعيد كأنك راض عن أهل الشام فقال‏:‏ أنا راض عن أهل الشام قبحهم الله وبرحهم

أليسوا الذين أحلوا ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا أهله ثم خرجوا إلى بيت الله

الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النار بين أحجارها وأستارها عليهم لعنة الله‏.‏

ثم أن يزيد خرج من البصرة واستخلف عليهم مروان فأقبل حتى نزل واسط واستشار

أصحابه فقال‏:‏ ما الرأي فاختلفوا عليه فأقام أيامًا بواسط ثم خرج‏.‏حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري وهو عامل يزيد على المدينة وكانعامله على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى الكوفة عبد الحميّد بن عبدالرحمن بن نعيم وكان يزيد بن المهلب قد غلب على البصرة‏.‏

أيوب بن شرحبيل‏:‏أحد أمراء مصر وليها لعمر بن عبد العزيز روى عنه أبو قبيل توفي في رمضان هذه السنة‏.‏

ذكوان أبو صالح السمان‏:‏ سمع من كعب الأحبار وتوفي بالمدينة في هذه السنة‏.‏

عمر بن عبد العزيز‏:‏ قد ذكرنا أنه لما تولى قام بالعدل فكانت بنو أميةّ قد ألفوا التخليط وخافوا أن يعهد إلى غيرهم فسمّوه فمرض عشرين يومًا‏.‏أخبرنا الحسن بن محبوب قال‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران إذنًا إن الحسين بن صفوان حدثهم قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله بن محمد القرشي قال‏:‏ حدَّثني محمد بن

الحسين قال‏:‏ هشام بن عبد الله الرازي قال‏:‏ حدَّثنا أبو زيد الدمشقي قال‏:‏ لما ثقل على عمر بن عبد العزيز دعي له بطبيب فلما نظر إليه قال‏:‏ أرى الرجل قد سقي السم فلا آمن عليه من الموت فرفع عمر بصره وقال‏:‏ لا تأمن الموت أيضًا على من لم يسق السم قال‏:‏ فتعالج يا أميّر المؤمنين فإني أخاف أن تذهب نفسك قال‏:‏ ربي خير مذهوب إليه والله لوعلمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته اللهم خر لعمر في لقائك‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏

أخبرني محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن عبد

الوهاب قال‏:‏ سمعت علي بن هشام يقول‏:‏ لما سم عمر بن عبد العزيز قال للخادم الذي سمه‏:‏ لم سممتني قال‏:‏ أعطاني فلان أبن دينار على أن أسمك قال‏:‏ أين الدنانير قال‏:‏ هي ها هنا فأتى فوضعها في بيت مال المسلميّن وقال للخادم اذهب ولم يعاقبه‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم

أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثني أبو إسحاق قال‏:‏ حدَّثنا محمد

بن الحسين قال‏:‏ حدَّثنا هاشم قال‏:‏ لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال‏:‏ يا أميّر المؤمنين إنك أفقرت أقواه ولدك من هذا المال فتركتهم عيلة لا شيء لهم فلو أوصيت بهم إليّ وإلى نظرائي من أهل بيتك‏.‏فقال‏:‏ اسندوني ثم قال‏:‏ ما منعتهم حقًا هو لهم ولم أعطهم ما

ليس لهم وإن وصيتي فيهم‏:‏ ‏{‏ولييّ الله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين‏}‏ بني أحد

رجلين‏:‏ إما يتقي الله فيجعل الله له مخرجًا وإما رجل مكب على المعاصي فلم أكن أقويه علىثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرًا فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى ثم قال‏:‏ بنفسي الفتيةالذين تركتهم عيلة لا شيء لهم وإني بحمد الله قد تركتهم بخير أي بني إن أباكم مثل بين أمرين‏:‏ أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل الجنة فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه قوموا عصمكم الله‏.‏قال أبو نعيم‏:‏ حدَّثنا أبو حامد بن جبلة قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثنا عباس بن

أبي طالب قال‏:‏ حدَّثنا الحارث بن بهرام قال‏:‏ حدَّثنا النضر قال‏:‏ حدَّثني ليث أن عمر قال في

مرضه‏:‏ أجلسوني فأجلسوه فقال‏:‏ أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه وأحد النظر وقال‏:‏ إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن‏.‏

ثم قبض رضي الله عنه‏.‏

ورثاه جماعة فقال كثير يرثيه‏:‏

عمت صنائعه وعم هلاكه ** فالناس فيه كلهم مأجور

والناس مأتمهم عليه واحد** في كل دار رتة وزفيريثني عليك اللسان من لم ** توله خيرًا لأنك بالثناء جديرردت صنائعه عليه حياته ** فكأنه من نشرها منشورتوفي عمر لعشر ليال بقين من رجب هذه السنة - وقيل لخمس بقين - وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ومات في دير سمعان واشترى موضع قبره هناك فدفن فيه‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنامحمد بن علي الخياط قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال‏:‏ حدَّثنا ابن صفوان قال‏:‏

أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن الحسين قال‏:‏ حدَّثني محمد بن أيوب قال‏:‏ حدَّثنييزيد بن محمد بن مسلمة قال‏:‏ حدَّثني مولى لنا قال‏:‏ بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى عشي

بصرها فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام فقالا‏:‏ ما هذا الأمر الذي دمت عليه أجزعكعلى بعلك فأحق من جزع على مثله أم على شيء فاتك من الدنيا فها نحن بين يديك وأموالناوأهلونا فقالت‏:‏ ما من كل جزعت ولا على واحد منها أسفت ولكني والله رأيت منهمنظرًا فعلمت الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه رأيت منه هولًا عظيمًا قد أسكن في قلبه

معرفته قالا‏:‏ وما رأيت منه قالت‏:‏ رأيته ذات ليلة قائمًا يصلي فأتى على هذه الآية‏:‏ ‏{‏يوم

يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش‏}‏ فصاح واسوء صباحاه ثم وثب

فسقط فجعل يخور حتى ظننت أن نفسه ستخرج ثم هدأ فظننت أنه قد قضى ثم أفاق

إفاقة فنادى‏:‏ واسوء صباحاه ثم وثب فجعل يجول في الدار ويقول‏:‏ ويلي من يوم يكون فيه

الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش‏.‏

غيلان بن عقبة

بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف من بني

صعب بن ملكان بن عدي ويقال لغيلان‏:‏ ذو الرمة ويكنى أبا الحارث‏:‏ سمع بشعره الفرزدق فقال‏:‏ ما أحسن ما تقول فقال‏:‏ فما لي لا أذكر في الفحول قال‏:‏ بصونك عن غاياتهم بكاؤك في الدين وصفتك الأبصار والفطن‏.‏

كان يتشبب بميّ بنت طلحة بن عاصم المنقري وكانت تسمع شعره ولا تراه فجعلت الله أنتنحر بدنه إذا رأته فلما رأته رأت رجلًا أسود دميّمًا فقالت‏:‏ وأسوءتاه كأنه لم ترضه‏.‏

قال أبو سوار الغنوي‏:‏ رأيت ميًّا وكانت مسنونة الوجه طويلة الخدين شماء الأنف عليها

وسم جمال‏.‏

قال محمد بن سلام‏:‏ كانت مولدة لابن قيس بن عاصم تسمى كثيرة قالت بيتين‏:‏ نحلتهما ذا

الرمة وهما‏:‏ على وجه ميّ مسحة من ملاحة وتحت الثياب الخزي لو كان باديا فامتعض من ذلك ذو الرمة وحلف أنه ما قالهما وقال‏:‏ كيف أقوله وقد أفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها‏.‏

وكانت ميةّ عن ابن عم لها يقال له عاصم فقال ذو الرمة فيها‏:‏

ألا ليت شعري هل يموتن عاصم ** ولم يشتعبني للمنايا شعوبهارمى الله من حتف المنية عاصمًا ** بقاصمة يدعى لها فيجيبها

وقد كان ذو الرمة يشبب بخرقاء من بني عامر بن ربيعة

وقال أبو زياد الكلابي‏:‏ خرقاء من بني عامر بن صعصعه‏.‏قال الأصمعي‏:‏ كان سبب تشبيبه بخرقاء أنه مر في بعض أسفاره فإذا بخرقاء خارجة منخباء فنظر إليها فوقعت في قلبه فخرق أدواته ليستطعم كلامه ثم قال لها‏:‏ إني رجل على

ظهر سفر وقد تخرقت أدواتي فأصلحيها فقالت‏:‏ لا والله لا أحسن العمل وإني لخرقاء

والخرقاء لا تحسن العمل لكرامتها على أهلها‏.‏

وروى عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن منهال السدوسي قال‏:‏ حدَّثني رجل من قريش‏:‏

أنه سلك طريق مكة للحج فعدل عن الطريق فرأى امرأة فقال لها‏:‏ من أنت فقالت‏:‏ أو ماتعرفني وأنا أحد مناسكك قال‏:‏ ومن أنت قالت‏:‏ خرقاء صاحبة ذي الرمة الذي يقول فيها‏:‏إلا أن جمهور شعره في ميّ وحب خرقاء حدث بعد ميّ وفي هذا دليل على سلو ويدل

عليه قوله‏:‏ أخرقاء للبين استقلت حمولها نعم غربة فالغث تجري مسيلها

معنى غربة‏:‏ أي استقلت لأرض بعيدة‏.‏كأن لم يرعك الدهر بالبين قبلها لميّ ولم يشهد فراقًا نزيلها أي قد راعك الدهر غير مرة‏.‏أنبأنا علي بن عبيد الله بن نصير عن أبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبيد الله محمد بن عمرانالمرزباري قال‏:‏ حدَّثني أبو صالح الفزاري قال‏:‏ ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة بن مالك الفزاري شيخ منهم بلغ مائة وعشرين سنة‏:‏ إياي فاسألوا عنه كان حلو العينين حسن المضحك براق الثنايا خفيف العارضين إذا نازعك الكلام لا تسام حديثه باد بزته إذا أنشد بربر وحسن صوته جمعني وإياه مربع مرة فأتاني فقال‏:‏ يا عصمة إن ميًّا منقرية ومنقر أخبث حي وأقفاه لأثر وأثبته في نظر وأعلمه بشر وقد عرفوا آثار إبلي فهل من ناقة نزدار عليها ميًّا قلت‏:‏ أي والله عندي الجؤذر قال‏:‏ فعلينا بها فجئت بها فركب وردفته ثم انطلقنا حتى نهبط حي ميّ فإذا الحي خلوف فلما رآنا النسوة عرفنا ذا الرمة فتقوضن في بيوتهن حتى اجتمعن إلى ميّ وأنخنا قريباَ وجئناهن فجلسنا فقالت ظريفة منهن‏:‏ أنشدنا يا ذا الرمة فقال لي‏:‏ أنشدهن فأنشدت قوله‏:‏وقفت على ربع لميةّ ناقتي ** فما زلت أبكي عنده وأخاطبه فلما انتهيت إلى قوله‏:‏

نظرت إلى أظعان ميّ كأنها **ذرا النخل أو أثل تميّل ذوائبه

فأسبلت العينان والقلب كاتم **بمغرورق نمت عليه سواكبه

بكى وامق حال الفراق ولم ** تجل جوائلها أسراره ومعاتبه

قالت الظريفة‏:‏ لكن اليوم فلتجل‏.‏

ثم مضيت إلى قوله‏:‏

وقد حلفت بالله ميةّ ما الذي ** أحادثها إلا الذي أنا كاذبه

إذا فرماني الله من حيث لا أرى ** ولا زال في أرضي عدو أجاذبه

قالت ميةّ‏:‏ ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله عز وجل ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله‏:‏

إذا سرحت من حب ميّ سوارح على القلب آبته جميّعًا عوازبه

فقالت الظريفة‏:‏ قتلتيه قتلك الله فقالت‏:‏ ما أصحه وهنيئًا له قال‏:‏ فتنفس ذو الرمة تنفسة

كاد يطير بلحيته ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله‏:‏

فيا لك من خد أسيل ومنطق ** رخيم ومن خلق تعلل جادبه

فقالت الظريفة‏:‏ هذا الوجه قد بدا لك وهذا القول قد تنوزع فيه فمن لنا بأن ينضو الدرع

سالبه فالتفتت إليها ميّ وقالت‏:‏ مالك قاتلك الله ماذا تجيئن به فتضاحكن النسوة فقالت

الظريفة‏:‏ إن لهذين شأنًا فقمت و قمن ثم صرت إلى بيت قريب أراهما ولا أسمع كلامهما إلاالحرف بعد الحرف فوالله ما رأيته برح مكانه ولا تحرك وسمعتها تقول‏:‏ كذبت والله فوالله ماأدري ما الذي كذبته فيه فتحدثا ساعة ثم جاءني معه قويريرة فيها دهن طيب فقال‏:‏ هذهدهنة أتحفتني بها ميّ فشأنك بها وهذه قلائد در زودتنا للجؤذر فلا والله لا قلدتهن بعيرًاأبدًا ثم عقدهن في ذؤابة سيفه قال‏:‏ فانصرفنا فلم يزل يختلف إليها مربعنا حتى انقضى ثمجاءني يومًا فقال‏:‏ يا عصمة قد ظعنت ميّ فلم يبق إلا الديار والنظر في الآثار فانهض بنا إلى

ديارها فخرجنا حتى وقف على ديارها فجعل ينظر ثم قال‏:‏

ألا فاسلميّ يا دار ميّ على البلى ** ولا زال منهلًا بجرعائك القطر

وإن لم تكن في غير شام بقفرة تمر بها الأذيال صيفية كدرثم انفضحت عيناه بالعبرة فقلت‏:‏ مه قال‏:‏ أني لجلد وإن كان مني ما ترى فما رأيت صبابةقط ولا تجلد أحسن من تجلده وصبابته يومئذ ثم انصرفنا فكان آخر العهد به قوله‏:‏ غير شام الشام لون يخالف معظم لون الأرضيين وهو جمع شامة أي آثار كأنها شام في

جيد وهي بقع مختلفة الألوان مثل لون الشامة وإنما يريد أثر الرماد بأرض خالية‏.‏

والصيفية‏:‏ الرياح الكدر فيها غبرة‏.‏

أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قالت‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر السراج قال‏:‏ أخبرنا القاضيان

أبو الحسن الثوري وأبو القاسم التنوخي قالا‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا محمد بن

خلف قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الفضل قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ أخبرنا القحذميّ قال‏:‏

دخل ذو الرمة الكوفة فبينا هو يسير في بعض شوارعها على نجيب له رأى جارية سوداءواقفة على باب دار فاستحسنها ووقعت في قلبه فأومأ إليها وقال‏:‏ يا جارية اسقيني ماء

فأخرجت له كوزًا فشرب وأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها فقال‏:‏ يا جارية ما أحر

ماءك لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وترك حر مائي وبرده فقال لها‏:‏ وأي شعري لهعيب فقالت ألست ذا الرمة قال‏:‏ بلى قالت‏:‏

فأنت الذي شبهت عنزا بقفرة ** لها ذنب فوق أستها أم سالم

جعلت لها قرنين فوق جبينها **وطبين مسودين مثل المحاجم

وساقين إن يستمكنا منك يتركا ** بجلدك يا غيلان مثل المناسم

فقال لها‏:‏ نشدتك بالله إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا ونزل عن راحلتهفدفعها إليها‏.‏وذهب يمضي فدعتها إليه وضمنت له ألا تذكر لأحد ما جرى‏.‏

قال أبو معاوية‏:‏ كان ذو الرمة حسن الصلاة فقيل له‏:‏ ما أحسن صلاتك فقال‏:‏ إن العبد إذاقام بين يدي الله لحقيق أن يتخشع‏.‏

وقال عيسى بن عمر‏:‏ كان ذو الرمة ينشد فإذا فرغ قال‏:‏ والله لأسجنك بشيء ليس في

حسابك سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر‏.‏

روى الأصمعي عن أبي الوجيه قال‏:‏ كان أحر ما قال ذو الرمة من الشعر‏:‏

يا رب قد أسرفت نفسي وقد علمت علمًا يقينًا لقد أحصيت آثاري

ما مخرج الروح من جسميّ إذا احتضرت وفارج الكرب زحزحني عن النار

وروى ابن دريد عن أبي حاتم السجستاني عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال‏:‏ حدَّثني

المنتجع بن نبهان قال‏:‏ كنت مع ذي الرمة حين حضرته الوفاة فلما أحس بالموت قال لي‏:‏ يا منتجع إن مثلي لا يدفن في غموض من الأرض ولا في بطون الأودية فإذا أنا مت فادفني برأس فريدادين فلما مات جئنا بماء وسدر وتوقلنا الرملة فحفرنا له حفرة ودفناه فهناك قبره إذا ظعنت في الدهناء برأس أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن الزيني قال‏:‏ حدَّثنا ابن المرزبان قال‏:‏ حدَّثني أحمد ين زهير قال‏:‏ حدَّثني هرقل بن مسلم قال‏:‏ حدَّثني أبو هلال الأزدي قال‏:‏ حدَّثني عمارة قال‏:‏ سمعت ذا الرمة لما حضرته الوفاة يقول‏:‏ لقد مكثت مهيمًا بميّ عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ لما حضرت ذا الرمة الوفاة قال‏:‏ أنا ابن نصف الهرم أنا ابن أربعين سنة‏.‏

همام بن منبه أخو وهب بن منبه يكنى أبا عقبة‏:‏

توفي بصنعاء في هذه السنة